هل الصحابة کلهم علی سواء ؟
من الامور التی یتهم بها الشیعة قدیما و حدیثا تهمة موقفهم من الصحابة و انهم یکنون الکره – کما یدعی خصوم الشیعة للصحابة، و هذه التهمة عندما نضعها امام الواقع الموضوعی و ندرسها دراسة موضوعیة نجدها بعیدة کل البعد عن الواقع و الحقیقة، لان الشیعة تکن کامل الاحترام للرسول الاکرم(ص) و صحبه المیامین، فکیف نکره الصحابة و هم حملة الرسالة و النور الالهی الى البشریة و هم السند و العماد و المدافع عن رسول الله (ص) و المجاهدون بین یدیه؟!
کیف نکرهم و نحن نسمع کلام الله تعالى یتلى فی مدحهم و الثناء علیهم حیث یقول عزّ من قائل: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ تَراهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً یَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً سیماهُمْ فی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِکَ مَثَلُهُمْ فِی التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِی الْإِنْجیلِ کَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ یُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِیَغیظَ بِهِمُ الْکُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظیما) و اولئک هم الذین نصروا الله و رسوله و احیوا دینه و اقاموا دعائم دولة الاسلام و اماتوا الجاهلیة.
و هذا امامنا امیرالمؤمنین (ع) یقول فیهم:" لَقَدْ رَأَیْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ (ص) فَمَا أَرَى أَحَداً یُشْبِهُهُمْ مِنْکُمْ لَقَدْ کَانُوا یُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً وَ قَدْ بَاتُوا سُجَّداً وَ قِیَاماً یُرَاوِحُونَ بَیْنَ جِبَاهِهِمْ وَ خُدُودِهِمْ وَ یَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِکْرِ مَعَادِهِمْ کَأَنَّ بَیْنَ أَعْیُنِهِمْ رُکَبَ الْمِعْزَى مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ إِذَا ذُکِرَ اللَّهُ هَمَلَتْ أَعْیُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُیُوبَهُمْ وَ مَادُوا کَمَا یَمِیدُ الشَّجَرُ یَوْمَ الرِّیحِ الْعَاصِفِ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ وَ رَجَاءً لِلثَّوَاب.
ویقول علیه السلام ایضا:" أَیْنَ إِخْوَانِیَ الَّذِینَ رَکِبُوا الطَّرِیقَ وَ مَضَوْا عَلَى الْحَقِّ أَیْنَ عَمَّارٌ وَ أَیْنَ ابْنُ التَّیِّهَانِ وَ أَیْنَ ذُو الشَّهَادَتَیْنِ وَ أَیْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِینَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِیَّةِ، وَ أُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ قَالَ [نَوْ) ثُمَّ ضَرَبَ یَدَهُ إِلَى لِحْیَتِهِ وَ أَطَالَ الْبُکَاءَ، ثُمَّ قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَوِّهْ عَلَى إِخْوَانِیَ الَّذِینَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْکَمُوهُ وَ تَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ وَ أَحْیَوُا السُّنَّةَ وَ أَمَاتُوا الْبِدْعَةَ، دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا، وَ وَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوا .
و من ادعیة الامام السجاد زین العابدین علی بن الحسین (ع) فی الصحیفة السجادیة یدعو فیه للصحابة:" اللَّهُمَّ وَ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَ مُصَدِّقُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالْغَیْبِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْمُعَانِدِینَ لَهُمْ بِالتَّکْذِیبِ وَ الِاشْتِیَاقِ إِلَى الْمُرْسَلِینَ بِحَقَائِقِ الْإِیمَانِ فِی کُلِّ دَهْرٍ وَ زَمَانٍ أَرْسَلْتَ فِیهِ رَسُولًا وَ أَقَمْتَ لِأَهْلِهِ دَلِیلًا مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى، وَ قَادَةِ أَهْلِ التُّقَى، عَلَى جَمِیعِهِمُ السَّلَامُ، فَاذْکُرْهُمْ مِنْکَ بِمَغْفِرَةٍ وَ رِضْوَانٍ. اللَّهُمَّ وَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً الَّذِینَ أَحْسَنُوا الصَّحَابَةَ وَ الَّذِینَ أَبْلَوُا الْبَلَاءَ الْحَسَنَ فِی نَصْرِهِ، وَ کَانَفُوهُ، وَ أَسْرَعُوا إِلَى وِفَادَتِهِ، وَ سَابَقُوا إِلَى دَعْوَتِهِ، وَ اسْتَجَابُوا لَهُ حَیْثُ أَسْمَعَهُمْ حُجَّةَ رِسَالَاتِهِ. وَ فَارَقُوا الْأَزْوَاجَ وَ الْأَوْلَادَ فِی إِظْهَارِ کَلِمَتِهِ، وَ قَاتَلُوا الْآبَاءَ وَ الْأَبْنَاءَ فِی تَثْبِیتِ نُبُوَّتِهِ، وَ انْتَصَرُوا بِهِ. وَ مَنْ کَانُوا مُنْطَوِینَ عَلَى مَحَبَّتِهِ یَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ فِی مَوَدَّتِهِ. وَ الَّذِینَ هَجَرَتْهُمْ الْعَشَائِرُ إِذْ تَعَلَّقُوا بِعُرْوَتِهِ، وَ انْتَفَتْ مِنْهُمُ الْقَرَابَاتُ إِذْ سَکَنُوا فِی ظِلِّ قَرَابَتِهِ. فَلَا تَنْسَ لَهُمُ اللَّهُمَّ مَا تَرَکُوا لَکَ وَ فِیکَ، وَ أَرْضِهِمْ مِنْ رِضْوَانِکَ، وَ بِمَا حَاشُوا الْخَلْقَ عَلَیْکَ، وَ کَانُوا مَعَ رَسُولِکَ دُعَاةً لَکَ إِلَیْکَ. وَ اشْکُرْهُمْ عَلَى هَجْرِهِمْ فِیکَ دِیَارَ قَوْمِهِمْ، وَ خُرُوجِهِمْ مِنْ سَعَةِ الْمَعَاشِ إِلَى ضِیقِهِ، وَ مَنْ کَثَّرْتَ فِی إِعْزَازِ دِینِکَ مِنْ مَظْلُومِهِمْ. اللَّهُمَّ وَ أَوْصِلْ إِلَى التَّابِعِینَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لِإِخْوَانِنَا الَّذِینَ سَبَقُونَا بِالْإِیمَانِ خَیْرَ جَزَائِکَ".
و هکذا تجد فقهاء الشیعة یعرفون للصحابة منزلتهم و مکانتهم و انهم کانوا یمثلون الطلیعة الاسلامیة یقول السید الشهید الصدر(قدس):" ان الصحابة بوصفهم الطلیعة المؤمنة و المستنیرة کانوا افضل و اصلح بذرة لنشوء امة رسالیة،حتى ان تاریخ الانسان لم یشهد جیلا عقائدیا اروع و انبل و اطهر من الجیل الذی انشاه الرسول القائد".
نعم نحن نختلف مع اخواننا اهل السنة حیث نرى ان صحابة النبی(ص) او الذین عاشوا معه یمکن تصنیفهم الى عدة اصناف حسب الترتیب القرآنی لهم:
*السابقون الاوّلون:( وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرینَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذینَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْری تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدینَ فیها أَبَداً ذلِکَ الْفَوْزُ الْعَظیم).
* المبایعون تحت الشجرة: (لَقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فی قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّکینَةَ عَلَیْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَریباً ) .
*المنفقون و المقاتلون قبل الفتح: (لا یَسْتَوی مِنْکُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِکَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذینَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ کُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبیر)
فی مقابل تلک النماذج العالیة و الشخصیات الرائعة نرى القرآن الکریم یذکر لنا اصنافاً اخرى تختلف اختلافا کلیا مع سابقتها منهم:
*المنافقون * المنافقون المتسترون الذین لایعرفهم النبی(ص) . *ضعفاء الایمان و مرضى القلوب*السماعون لاهل الفتن *الذین خلطوا عملا صالحا و آخر سیئا. * المشرفون على الارتداد. *الفساق الذی لایصدقهم قولهم عملهم. * الذین لم یدخل الایمان فی قلوبهم.
و غیر ذلک من الصفات الذامة لبعضهم من هنا یمکن القول: ان خلاصة رأی الشیعة فی الصحابة هو:
ترى مدرسة اهل البیت (ع) ان حال الصحابة کحال غیرهم من حیث العدالة ، ففیهم العادل و غیر العادل، و لیس کل من صحب النبی الاکرم کان عادلا، و لیس للصحبة دور فی عدالة الصحابی ما لم تتجسد سیرة الرسول الاکرم (ص) فی سلوکه و مواقفه.
فالملاک هو السیرة العملیة، و کل من تطابقت سیرته مع المنهج الاسلامی فهو عادل، و من خالف المنهج الاسلامی فهو غیر عادل، و هذا الرأی یتطابق مع القرآن الکریم و السنة النبویة الشریفة، کما بینا ذلک، و ان فیهم من قصد اغتیال رسول الله فی لیلة العقبة.
ثم کیف نسوی و بای منطق بین الصحابی الجلیل مالک بن نویرة و بین الذی قتله و دخل بزوجته فی نفس تلک اللیلة؟!، فلیس من الصحیح ان ندافع عن انسان شرب الخمر مثل [الولید بن عقبة] بحجة أنّه صحابی، او الدفاع عن انسان جعل الحکم الاسلامی ملکاً عضوضاً و قتل الصالحین من الامة و حارب الامام و الخلیفة الشرعی (علی بن ابی طالب) و هل من منطق العقل ان نساوی بین عمّار بن یاسر(رض) و بین رئیس و قائد الفئة الباغیة فی الوقت الذی نقرأ فیه قول الرسول (ص) : " عمار تقتله الفئة الباغیة"، بحجة ان الاثنین من الصحابة؟!
فهل تجد عاقلا یجیز هذا العمل؟ ثم اذا رضینا بهذا العمل هل یبقى من الاسلام الاّ انه منهج تبریری یبرر للاقویاء ما یفعلونه تحت ذریعة الصحبة و الصحابة؟! الحقیقة ان الاسلام اعز و اکرم من نلطخه بجرائم المجرمین و المنحرفین مهما کانوا و فی أی وقت عاشوا، هذا هو معتقدنا و لانجامل فیه احدا ، لان الحق احق ان یتبع . ثم نسأل البعض من اخواننا أهل السنة هل یساوی بین الخلیفة عثمان و قتلته؟ فاذا کان یساوی فلماذا الهجوم على علی (ع) وتجییش الجیوش فی حرب الجمل و صفین، تحت ذریعة المطالبة بدم عثمان، و اذا لم یساوی بینما و یعتبر المعارض له و المساعد فی قتله- فضلا عن قاتله- انسانا خارجا عن القانون و الشرع، فهو حینئذ یؤمن بعدم عدالة الصحابة، فلماذا الهجوم على الشیعة و هو یرى مثل رأیهم فالمعیار قائم على التمسک بسیرة النبی الاکرم(ص) و الالتزام بسنته فی حیاته و بعد رحیله فمن تمسک نکن له کامل الاحترام و نقتدی به فی سلوکه و نترحم علیه و ندعو الله له برفیع الدرجات، فعلى سبیل المثال نرى اثنین من الصحابة معهم احدى امهات المؤمنین قد حشدوا الجیوش و الرجال و جاءوا الى البصرة لیحاربوا الخلیفة الشرعی علی بن ابی طالب(ع) فی معرکة الجمل و قد راح ضحیة هذه الحرب الالاف من المسلمین و هنا نسأل کیف جاز لهؤلاء الخروج و اراقة کل هذه الدماء؟ و هکذا عندما خرج علیه شخصیة اخرى تتصف بانها من الصحابة فی معرکة صفین التی اکلت الاخضر و الیابس؟.نحن نقول ان هذا العمل مخالف للشرعیة و اعتداء على الامام و الخلیفة الشرعی و لایکفی فی تبریره کون القائم به صحابیا او غیره، هذه هی نقطة الاختلاف الاساسیة بین الرؤیة الشیعیة و رؤیة غیرهم و لیست القضیة السب او الشتم او ما شابه ذلک.